
بقلم: عباس عباس
اسمي عباس عباس. وُلدت في مدينة الناصرة في شمال البلاد. ومنذ أن كنت طفلًا صغيرًا، اكتشف والداي أن لديّ مشكلة في العينين – مرض وراثي يؤدي إلى ضعف نظري تدريجيًا، حتى درجة أني قد لا أرى شيئًا في المستقبل.
نشأت في عائلة دافئة ومحبّة. والداي أحاطاني بالكثير من الحب، ودعماني في كل مراحل حياتي، ولم يسمحا لي أبدًا أن أشعر أنني مختلف أو أضعف من غيري. كانا دومًا يقولان لي: “أنت تستطيع!” – رغم كل الصعوبات، وكانا يؤمنان بذلك إيمانًا حقيقيًا.
لكن خارج البيت، لم يكن الأمر دائمًا سهلاً. لم يكن الناس دائمًا يفهمون ما معنى ضعف البصر، وكان بعضهم يعاملني وكأنني مسكين أو عاجز. وهذا، بالطبع، كان يؤلمني.
لحسن الحظ، تعلمت في مدرسة ممتازة. المعلمون هناك كانوا رائعين. ساعدوني، دعّموني، وكيّفوا طريقة التعليم حتى أستطيع أن أنجح – ونجحت فعلًا في جميع المواد! لكن في بعض الأحيان، كان النجاح مرتبطًا بالكثير من الضغط. والداي أرادا بشدة أن أتميّز – ربما ليثبتا للعالم أنه رغم التحدي، أنا قادر. وبذلت أنا مجهودًا كبيرًا، لأني شعرت أن عليّ أن أنجح لكي “أعوّض” عن مشكلة البصر.
في المدرسة، كانت لي تجارب جميلة وأخرى مؤلمة. كان لي أصدقاء رائعون أحبّوني وساعدوني وجعلوني أضحك، لكن كان هناك أيضًا من سخر مني بسبب نظاراتي السميكة، وأطلقوا عليّ ألقابًا مؤذية. أحيانًا كنت أشعر بالحزن، خاصة عندما لم أكن أستطيع المشاركة في دروس الرياضة أو الرحلات المدرسية.
لكن الحياة علّمتني ألا أستسلم. في أحد الأيام، عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، سافرنا – أنا وعائلتي – إلى ديزني لاند في فرنسا. ركبت جميع الألعاب دون خوف! وهناك فهمت أمرًا مهمًا: لست بحاجة إلى أن أرى جيدًا لكي أستمتع بالحياة.
عندما كنت صغيرًا، كنت أحب كثيرًا ركوب الدراجات. لكن في الصف السادس، اضطر والدي إلى أخذ الدراجة مني لأن نظري تدهور، وأصبح الركوب خطرًا. هذا أحزنني كثيرًا. لكن بعد سنوات، عندما أصبحت بالغًا، قررت أن أعيد ركوب الدراجات إلى حياتي ولكن بطريقة مختلفة: أنشأت مشروعًا يُدعى “الدراجات المزدوجة” – حيث يجلس الراكب المبصر في الأمام، وصاحب التحدي البصري في الخلف، معًا على دراجة واحدة. وهذا من أحبّ المشاريع إلى قلبي.
اليوم، أنا أدير جمعية تُدعى “المنارة” – مثل المنارة التي تنير الطريق للسفن في الليل، نحن نعمل على إنارة الطريق لأصحاب التحديات البصرية وغيرها من التحديات. في الجمعية نقوم بأعمال كثيرة مهمة: نسجّل كتبًا صوتية حتى يتمكن من لا يرى جيدًا من الاستماع للقصص وكتب التعليم وحتى الأغاني. كما ننتج برامج صوتية (بودكاستات)، وندير مجموعات دعم نفسي وتمكين، ونقيم دورات، وننظم مخيمات ورحلات للأطفال من أصحاب التحديات ليشعروا أنهم قادرون على كل شيء مثل أي شخص آخر.
أحد أهم الأمور التي نعلّمها هو أن لكل إنسان قيمة – بغض النظر عن شكله، أو سمعه، أو حركته، أو بصره. كل إنسان يستطيع أن يحلم وأن يحقّق أحلامه.
ولا أنسى أن أذكر أعز أصدقائي – “سبنسر”، كلب المرافقة الخاص بي. إنه عيناي: يرافقني إلى كل مكان، يساعدني في التنقل، يحميني، وفوق كل ذلك يمنحني حبًا لا يوصف.
لقد علّمتني الحياة أن كل صعوبة يمكن أن تتحول إلى فرصة للنمو. لا تخافوا من أن تكونوا أنفسكم، ولا تنسوا – كل واحد منّا مميز بطريقته الخاصة. فقط لا تستسلموا!